فصل: بَابٌ فِي تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابٌ فِي تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِذَا جَعَلَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ الْكُفَّارِ أَهْلَ ذِمَّةٍ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ وَعَلَى الْأَرَضِينَ بِقَدْرِ الِاحْتِمَالِ أَمَّا خَرَاجُ الرُّءُوسِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَأَمَّا السُّنَّةُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَأَخَذَ الْحُلَلَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ» وَكَانَتْ جِزْيَةً وَقَالَ: «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» يَعْنِي فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ قَالَ: كَيْفَ يَجُوزُ تَقْرِيرُ الْكَافِرِ عَلَى الشِّرْكِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ تَقْرِيرُ الزَّانِي عَلَى الزِّنَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؟ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ فِي إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَأَنَّهُ حَكِيمٌ وَإِثْبَاتُ النُّبُوَّةِ ثُمَّ نَقُولُ: الْمَقْصُودُ لَيْسَ هُوَ الْمَالُ بَلْ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ يُتْرَكُ الْقِتَالُ أَصْلًا وَلَا يُقَاتَلُ مَنْ لَا يُقَاتِلُ ثُمَّ يَسْكُنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَرَى مَحَاسِنَ الدِّينِ وَيَعِظُهُ وَاعِظٌ فَرُبَّمَا يُسْلِمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا سَكَنَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَمَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ لَا يُخَلَّا عَنْ صَغَارٍ وَعُقُوبَةٍ وَذَلِكَ بِالْجِزْيَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى ذُلِّ الْكَافِرِ وَعِزِّ الْمُؤْمِنِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ الْجِزْيَةَ مِنْهُ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ الَّتِي فَاتَتْ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِنُصْرَةِ الدَّارِ وَأَبْدَانُهُمْ لَا تَصْلُحُ لِهَذِهِ النُّصْرَةِ لِأَنَّهُمْ يَمِيلُونَ إلَى أَهْلِ الدَّارِ الْمُعَادِيَةِ فَيُشَوِّشُونَ عَلَيْنَا أَهْلَ الْحَرْبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْمَالُ لِيُصْرَفَ إلَى الْغُزَاةِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الدَّارِ.
وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِأَصْلِ النُّصْرَةِ وَالْفَقِيرُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا كَأَنْ يَنْصُرَ الدَّارَ رَاجِلًا وَوَسَطُ الْحَالِ كَأَنْ يَنْصُرَ الدَّارَ رَاكِبًا وَالْفَائِقُ فِي الْغِنَى يَرْكَبُ وَيَرْكَبُ غُلَامًا فَمَا كَانَ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْحَالِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَنَصْبُ الْمَقَادِيرَ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ اعْتَمَدَ السَّمَاعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْنَا بِهِ وَقُلْنَا: الْمُعْتَمِلُ الَّذِي يَكْتَسِبُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلُّ سَنَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَالْمُعْتَمِلُ الَّذِي لَهُ مَالٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِمَالِهِ عَنْ الْعَمَلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَالْفَائِقُ فِي الْغِنَى وَهُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْدِرَ فِي الْمَالِ بِتَقْدِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَبِالْعِرَاقِ مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ أَلْفًا يُعَدُّ وَسَطَ الْحَالِ وَفِي دِيَارِنَا مَنْ يَمْلِكُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ يُعَدُّ غَنِيًّا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَانَ يَقُولُ: إنَّمَا يُؤْخَذُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِمَّنْ يَرْكَبُ الْبَغْلَةَ الشَّهْبَاءَ وَيَتَخَتَّمُ بِخَاتَمِ الذَّهَبِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ بَدَلٌ عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّهُ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ السُّكْنَى فِي دَارِ الْغَيْرِ إلَّا بِكِرَاءٍ فَالْفَقِيرُ يَكْفِيهِ لِمُؤْنَةِ السُّكْنَى فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ وَوَسَطُ الْحَالِ يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْفَائِقُ فِي الْغِنَى وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ كَمَا بَيَّنَّا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَتَقَدَّرُ الْجِزْيَةُ بِدِينَارٍ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ وُجُوبَ هَذَا الْمَالِ بِحَقْنِ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِفَقْرِهِ وَغِنَاهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا» وَلَكِنَّا نَقُولُ: ثُبُوتُ الْحَقْنِ لَيْسَ بِالْمَالِ بَلْ بِانْعِدَامِ عِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ الْقِتَالُ وَلِصِحَّةِ إحْرَازِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فِي دَارِنَا لِأَنَّهُ بِقَبُولِ عَقْدِ الذِّمَّةِ يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا حَتَّى لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِحَالٍ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَالٍ كَانَ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ دُونَ الْجِزْيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْجِزْيَةُ لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ.
وَأَمَّا خَرَاجُ الْأَرْضِ فَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَضَعَ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ عَلَى الْجَرِيبِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَاعْتَمَدَ فِي مَا صَنَعَ السُّنَّةَ أَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنَعْتُ الْعِرَاقَ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا» فِيمَا ذَكَرَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ بَعْدَهُ ثُمَّ تَفَاوَتَ الْوَاجِبُ بِتَفَاوُتِ رَيْعِ الْأَرَاضِي وَلِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ بِاعْتِبَارِ الرَّيْعِ فَإِنَّ الْخَرَاجَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ فَيَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّيْعِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ بَعَثَ لِذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا رَجَعَا إلَيْهِ قَالَ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا: لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ وَبِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ يَسْتَدِلُّ أَبُو يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُطِيقُ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُمَا قَالَا: لَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ فَلَمْ يَأْمُرْهُمَا بِالزِّيَادَةِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنَّهُ فِيمَا وَظَّفَ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ حَيْثُ قَالَ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَإِذَا كَانَتْ تُطِيقُ الزِّيَادَةَ يُزَادُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ تِلْكَ الْوَظِيفَةَ لِقِلَّةِ رَيْعِهَا تَنْقُصُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ تُطِيقُ الزِّيَادَةَ لِكَثْرَةِ رَيْعِهَا؛ يُزَادُ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ثُمَّ فِي خَرَاجِ الْأَرَاضِيِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْأَرَاضِي النَّامِيَةِ وَهُمْ فِي حُصُولِ النَّمَاءِ لَهُمْ سَوَاءٌ.
فَأَمَّا خَرَاجُ الرُّءُوسِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ الَّتِي فَاتَتْ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَنُصْرَةُ الْقِتَالِ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلِأَنَّ فِي حَقِّهِمْ الْوُجُوبُ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ كَالْقَتْلِ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ الرِّجَالُ مِنْهُمْ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ حِينَ كَانُوا حَرْبِيِّينَ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْجِزْيَةِ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَلَئِنْ كَانَ مُؤْنَةَ السُّكْنَى فَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي السُّكْنَى تَبَعٌ وَأُجْرَةُ السُّكْنَى عَلَى مَنْ هُوَ الْأَصْلُ دُونَ التَّبَعِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ فَإِنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْأَعْمَى وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُقْعَدِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي السُّكْنَى أَصْلٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ أَصْلُ النُّصْرَةِ بِبَدَنِهِ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَكَذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدَ إذَا كَانَ صَاحِبَ مَالٍ وَرَأْيٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُقَاتَلُ بِرَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاتِلُ بِبَدَنِهِ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَعَجْزُهُ لِنُقْصَانٍ فِي بَدَنِهِ وَلَا نُقْصَانَ فِي مَالِهِ فَيُؤْخَذَ مِنْهُ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا مَالَ لَهُ وَالْعَاجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ مَعْذُورٌ شَرْعًا فِيمَا هُوَ حَقُّ الْعِبَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} فَفِي الْجِزْيَةِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْجِزْيَةَ صِلَةٌ مَالِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا سُمِّيَتْ خَرَاجًا فِي الشَّرْعِ وَالْخَرَاجُ اسْمٌ لِمَا هُوَ صِلَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهَلْ نَجْعَلُ لَك خَرْجًا} {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} وَالصِّلَةُ الْمَالِيَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِمَّنْ يَجِدُ لِلْمَالِ فَأَمَّا مَنْ لَا يَجِدُ يُعَانُ بِالْمَالِ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا خَرَاجَ عَلَى رُءُوسِ الْمَمَالِيكِ لِأَنَّهُ خَلْفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ نُصْرَةَ الْقِتَالِ فِي نَفْسِهِ أَنْ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَلَا يَلْزَمُهُ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ ثُمَّ هُوَ أَعْسَرُ مِنْ الْحُرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ أَصْلًا ثُمَّ الْمَمْلُوكُ فِي السُّكْنَى تَبَعٌ لِمَوْلَاهُ وَلَا خَرَاجَ فِي الِاتِّبَاعِ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا صَدَقَةَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ السَّوَائِمِ وَمَالُ التِّجَارَةِ فِي أَوْطَانِهِمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي الْبَابِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَمْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ لَا أَنْ يَمُرُّوا عَلَى الْعَاشِرِ فَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ دُونَ الْمُؤْنَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الزَّكَاةَ أَحَدَ أَرْكَانِ الدِّينِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ فَالْأَخْذُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ وَلِهَذَا جَازَ أَخْذُهُ مِنْ الْكَافِرِ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ الْكَافِرِ مَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَأَقْرَبُ إلَى مَعْنَى الصَّغَارِ وَهُوَ الْخَرَاجُ.
وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كَمَالِ السَّنَةِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ كَمَالِ السَّنَةِ فَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَحَجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ دَيْنٌ اسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ وَهُوَ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِأَدَائِهِ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ مَحْبُوسٌ فِيهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ أَوْ أَقْوَى حَتَّى إذَا بَعَثَ بِالْجِزْيَةِ عَلَى يَدِ نَائِبِهِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَبِأَنْ كَانَ لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ فَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَخَرَاجِ الْأَرَاضِي فَالْمُسْلِمُ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يُبْقِي وَكَذَلِكَ الرِّقُّ لَا يُبْتَدَأُ بِهِ الْمُسْلِمُ ثُمَّ يَبْقَى رَقِيقًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْفَقِيرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَبْقَى إذَا اسْتَهْلَكَ النِّصَابَ بَعْدَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ السُّكْنَى فَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِي اسْتِيفَاءَهُ كَالْأُجْرَةِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا وَهَذَا بَدَلُ حَقْنِ الدَّمِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ فَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهُ إذَا حَصَلَ لَهُ الْحَقْنُ بِهِ فِيمَا مَضَى وَلَكِنْ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ حَقَنَ دَمَهُ بِالْإِسْلَامِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ ذِمِّيًّا طُولِبَ بِالْجِزْيَةِ فَأَسْلَمَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّك أَسْلَمْت تَعَوُّذًا فَقَالَ: إنْ أَسْلَمْت تَعَوُّذًا فَفِي الْإِسْلَامِ لَمُتَعَوَّذٍ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ فَقَالَ: صَدَقَ فَأَمَرَ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا قَرَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَا بِطَرِيقِ الدُّيُونِ وَعُقُوبَاتُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَالْقَتْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ نَظِيرُ الْقَتْلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُ عَلَى كُفْرِهِ حَتَّى لَا يُوجِبُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَبِهِ فَارَقَ خَرَاجَ الْأَرَاضِي وَالِاسْتِرْقَاقِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ عُقُوبَةٌ مِنْ حَيْثُ تَبْدِيلُ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ حِينَ اُسْتُرِقَّ فَهُوَ عُقُوبَةٌ مُسْتَوْفَاةٌ وَوِزَانُهَا جِزْيَةٌ اُسْتُوْفِيَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ هَذَا الْمَالُ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ كَمَا بَيَّنَّا وَإِذَا أَسْلَمَ فَقَدْ صَارَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ فَيَسْقُطُ مَا هُوَ خَلَفٌ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلْخَلَفِ بَعْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَلِأَنَّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الصَّغَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ بَلْ يُكَلَّفُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي قَائِمًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ فَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ: أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ بِطَرِيقِ الصَّغَارِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُوَقَّرُ لِإِيمَانِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ امْتَنَعَ الِاسْتِيفَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ غَيْرَ الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْوَاجِبِ إذَا اُسْتُوْفِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَجَبَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ النِّصَابَ فِي مَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَمَا افْتَقَرَ يَسْتَوْفِي بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ بِأَنْ ارْتَدَّ نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُبْقِي وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ وَلَا بَدَلٍ عَنْ السُّكْنَى وَلَا بَدَلٍ عَنْ حَقْنِ الدَّمِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْحَقْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِيمَا مَضَى وَقَدْ اسْتَفَادَ الْحَقْنَ بِالْإِسْلَامِ فَلَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ عِنْدَنَا لَا يَسْتَوْفِي الْجِزْيَةَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَعِنْدَهُ يَسْتَوْفِي اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ.
وَطَرِيقُنَا مَا قَرَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِأَنَّ هَذِهِ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَالنَّفَقَاتِ وَدَلِيلُ أَنَّهَا صِلَةً مَا بَيَّنَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَإِنَّمَا يَسْكُنُ دَارَ نَفْسِهِ وَلَا يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ حَقِيقَةً وَقَوْلُنَا دَارُ الْإِسْلَامِ نِسْبَةٌ لِلْوِلَايَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِاعْتِبَارِهِ الْأُجْرَةَ وَلَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ حَقْنِ الدَّمِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِي الْأَصْلِ مَحْقُونُ الدَّمِ وَالْإِبَاحَةُ بِعَارِضِ الْقِتَالِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ عَادَ الْحَقْنُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّ قَتَلَ الْكَافِرِ جَزَاءٌ مُسْتَحَقٌّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِمَالٍ أَصْلًا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ شَيْءٍ عَرَفْنَا أَنَّهُ صِلَةٌ وَفِي الصِّلَاتِ الْمُعْتَبَرُ الْفِعْلُ دُونَ الْمَالِ وَالْأَفْعَالُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنَّمَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ فَمَاتَ الْخَيَّاطُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْفِعْلُ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ.
وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَمَرَّتْ عَلَيْهِ سُنُونَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ خَرَاجُ رَأْسِهِ لَمْ يُؤْخَذْ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِاعْتِبَارِ السَّنَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَيُؤْخَذُ فِي قَوْلِهِمَا بِجَمِيعِ مَا مَضَى إذَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُ ذَلِكَ لِعُذْرٍ وَتُلَقَّبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْمَوانِيذِ وَهُمَا يَقُولَانِ الْمَوَانِيذُ فِي خَرَاجِ الرَّأْسِ كَالْمَوَانِيذِ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ ثُمَّ يَسْتَوْفِي جَمِيعَ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ فَكَذَلِكَ هُنَا وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا بَقِيَ حَيًّا مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ فَاسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَمَوْتِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرْفَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ وَالْعُقُوبَاتُ الَّتِي تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ وَفِي حَقِّنَا خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَتِمُّ بِاسْتِيفَاءِ جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِيفَاءِ مَا مَضَى وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ هُوَ الْمَالُ بَلْ الْمَقْصُودُ اسْتِذْلَالُ الْكَافِرِ وَاسْتِصْغَارُهُ لِأَنَّ إصْرَارَهُ عَلَى الشِّرْكِ فِي دَارِ التَّوْحِيدِ جِنَايَةٌ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ صَغَارٍ يَجْرِي عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ أَخَذْنَاهُ بِالْمَوانِيذِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِمَقْصُودِ الْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِسْلَامِهِ.
ثُمَّ أَوَانُ أَخْذِ خَرَاجِ الرَّأْسِ مِنْهُ آخِرَ السَّنَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ بِقِسْطِ ذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ شَهْرًا فَشَهْرًا لِيَكُونَ أَشَدَّ عَلَيْهِ وَأَقْرَبَ إلَى تَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَوْلُ كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَخَرَاجِ الْأَرَاضِيِ.
وَلَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ الْأَرْضِ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنْ اسْتَغَلَّهَا صَاحِبُهَا مَرَّاتٍ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَا أَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلِأَنَّ رَيْعَ عَامَّةِ الْأَرَاضِيِ فِي السَّنَةِ يَكُونُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى الْعَامِ الْغَالِبِ وَالْأَرَاضِي يَكُونُ فِيهَا الشَّجَرُ الْكَبِيرُ يُوضَعُ عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا وَظَّفَهُ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فَإِذَا عَطَّلَ أَرْضَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ خَرَاجُهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ تَرْكَ الِاسْتِغْلَالِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ إسْقَاطَ حَقِّ مَصَارِفِ الْخَرَاجِ فُرِّدَ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَالْوَاجِبُ هُنَاكَ جُزْءٌ مِنْ الْخَرَاجِ وَالْإِيجَابُ بِدُونِ الْمَحَلِّ لَا يَتَحَقَّقُ وَهَهُنَا الْوَاجِبُ مَالٌ فِي ذِمَّتِهِ بِاعْتِبَارِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ فَلَمْ يَنْعَدِمْ ذَلِكَ بِتَعْطِيلِهِ الْأَرْضَ.
وَإِنْ زَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَذَهَبَ لَمْ يُؤْخَذْ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ مُصَابٌ فَيَسْتَحِقُّ الْمَعُونَةَ وَلَوْ أَخَذْنَاهُ بِالْخَرَاجِ كَانَ فِيهِ اسْتِئْصَالٌ وَمِمَّا حُمِدَ مِنْ سَيْرِ الْأَكَاسِرَةِ إذَا اصْطَلَمَ الْأَرْضَ آفَةٌ يَرُدُّونَ عَلَى الدَّهَاقِينِ مِنْ خَزَائِنِهِمْ مَا أَنْفَقُوا فِي الْأَرْضِ وَيَقُولُونَ: التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِقَدْرِ مَا كَانَ الْأَرْضُ مَشْغُولًا بِالزَّرْعِ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ فَبِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ يَصِيرُ الْأَجْرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَأَمَّا الْخَرَاجُ صِلَةٌ وَاجِبَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَرَاضِي فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا بَعْدَمَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِغْلَالِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَّلَهَا.
وَإِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ عَلَى أَرْضِهِ كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا كَمَا كَانَ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَسْقُطُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَاعْتَبَرَ خَرَاجَ الْأَرْضِ بِخَرَاجِ الرَّأْسِ فَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ بَعْدَ إسْلَامِهِ خَرَاجُ الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْخَرَاجُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ كَالْعُشْرِ وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمُؤْنَةَ وَهَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا يُخْلِي أَرْضَهُ عَنْ مُؤْنَةٍ فَإِبْقَاءُ مَا تَقَرَّرَ وَاجِبًا أَوْلَى لِأَنَّا إنْ أَسْقَطْنَا ذَلِكَ احْتَجْنَا إلَى إيجَابِ الْعُشْرِ بِخِلَافِ خَرَاجِ الرَّأْسِ فَإِنَّا لَوْ أَسْقَطْنَا ذَلِكَ عَنْهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا نَحْتَاجُ إلَى إيجَابِ مُؤْنَةٍ أُخْرَى عَلَيْهِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَدَاءُ خَرَاجِ الْأَرْضِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ أَرْضُونَ بِالسَّوَادِ يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ لَا يُعَدُّ مِنْ الصَّغَارِ وَإِنَّمَا الصَّغَارُ خَرَاجُ الْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ وَيَسْتَدِلُّونَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ فَقَالَ: مَا دَخَلَ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا» ظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ الذُّلُّ بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَقَعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ كَرَّ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ فَجَعَلُوهُمْ أَذِلَّةً.
تَغْلِبِيٌ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُضَعَّفُ عَلَيْهِ مَا يُبْتَدَأُ الْمُسْلِمُ بِالْإِيجَابِ عَلَيْهِ هَكَذَا جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَلَا يُبْتَدَأُ الْمُسْلِمُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَوْ أَسْلَمُوا طَوْعًا يُجْعَلُ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْعُشْرُ دُونَ الْخَرَاجِ فَلِهَذَا لَا يُضَعَّفُ الْخَرَاجُ عَلَى التَّغْلِبِيِّ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ ضُوعِفَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ لِأَنَّ الْعُشْرَ يُبْتَدَأُ بِهِ الْمُسْلِمُ فَيُضَعَّفُ عَلَى التَّغْلِبِيِّ كَالزَّكَاةِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَذَكَرْنَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّضْعِيفَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا فَأَمَّا فِيمَا اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ لَا تَتَغَيَّرُ الْوَظِيفَةُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ كَمَا لَا تَتَغَيَّرُ وَظِيفَةُ الْخَرَاجِ إذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَكَمَا لَا تَتَغَيَّرُ وَظِيفَةُ الْعُشْرِ إذَا اشْتَرَاهَا مُكَاتَبٌ أَوْ صَبِيٌّ.
(قَالَ): أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَرْضًا بِمَكَّةَ فِي الْحَرَمِ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ أَوْ تَغْلِبِيُّ كَانَتْ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً أَوْ تَتَحَوَّلُ عَنْ الْعُشْرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ذِمِّيَّةً لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِامْرَأَتِهِ فِي السُّكْنَى فَهُوَ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَصِرْ رَاضِيًا بِالْمُقَامِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا اسْتَأْمَنَ إلَيْنَا لِلتِّجَارَةِ وَالتَّاجِرُ قَدْ يَتَزَوَّجُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْصِدُ التَّوَطُّنَ فِيهِ فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا فَإِنْ أَطَالَ الْمُقَامِ وَأَوْطَنَ فَحِينَئِذٍ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَيَأْمُرَهُ بِالْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْذَارِ وَالْإِعْذَارِ وَفِي التَّقَدُّمِ إلَيْهِ إنْ بَيَّنَ مُدَّةً فَقَالَ: إنْ خَرَجْت إلَى وَقْتِ كَذَا وَإِلَّا جَعَلْتُك ذِمِّيًّا فَإِنْ خَرَجَ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ تَرَكَهُ لِيَذْهَبَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ ذِمِّيًّا لِأَنَّ مُقَامَهُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ رِضًا مِنْهُ بِالْمُقَامِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ فَإِذَا أَقَامَ فِي دَارِنَا بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلًا لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ هَذَا لَإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ لِذَلِكَ حَسَنٌ كَمَا فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَزَرَعَهَا يُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَالرَّأْسِ أَمَّا خَرَاجُ الْأَرْضِ فَلِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ حِينَ اسْتَغَلَّ الْأَرْضَ ثُمَّ بِالْتِزَامِ خَرَاجِ الْأَرْضِ صَارَ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالِالْتِزَامُ تَارَةً يَكُونُ نَصًّا وَتَارَةً يَكُونُ دَلَالَةً.
وَالْحَرْبِيَّةُ الْمُسْتَأْمَنَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَقَدْ تَوَطَّنَتْ وَصَارَتْ ذِمِّيَّةً لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي السُّكْنَى تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْخُرُوجَ إلَّا بِإِذْنِهِ فَجَعْلُهَا نَفْسَهَا تَابِعَةً لِمَنْ هُوَ مِنْ دَارِنَا رَضِيَ بِالتَّوَطُّنِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ فَرِضَاهَا بِذَلِكَ دَلَالَةٌ كَالرِّضَا بِطَرِيقِ الْإِفْصَاحِ فَلِهَذَا صَارَتْ ذِمِّيَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.